(نباشو_القبور ).. تجار الجثامين (2)
ــ معاق ذهني اسمه جيمز ويلسون ويلقب بـ "جيمي المجنون"، كان شخصية محببة ومعروفة ومميزا بمشيته العرجاء، استدرجه القاتلان ظنا منهم بأنه صيد سهل، لكن الفتى ذو الثمانية عشر عاما قاومهما بشراسة أذهلتهما ولم يتمكنا من قتله إلا بصعوبة بالغة
ـ
ولاحقا تسببت جثة جيمي بحرج كبير للطبيب نوكس، فعندما كشف الغطاء عن طاولة التشريح في مساء اليوم التالي ارتفع اللغط في أرجاء القاعة وصرخ بعض الطلبة قائلين بأن الجثة تعود لجيمي المجنون وطالبوا بإخبار والدته المسكينة التي كانت تجوب شوارع أدنبره بحثا عنه، الطبيب نوكس رفض ذلك وقال بأن الجثة تعود لمعاق ذهني آخر، لكن الاضطراب بدا واضحا عليه، وعلى غير عادته، ابتدأ حصة ذلك اليوم بقطع الرأس وتشويه الوجه
ـ
ـ
في صبيحة يوم الهالووين 31 تشرين الأول / أكتوبر عام 1828، جلس بورك يحتسي الخمر في إحدى الحانات حين تناهى إلى سمعه صوت امرأة تتحدث بلكنة أجنبية، بورك عرف في الحال بأنها أيرلندية فاقترب منها وبدأ يجاذبها أطراف الحديث، أخبرته بأن أسمها هو مارجوري دوشيرتي وأنها قادمة من بلدة صغيرة في شمال أيرلندا
ـ
فتظاهر بورك بالدهشة وزعم كاذبا بأن أمه تنتمي إلى عائلة دوشيرتي أيضا وأن أصولها ترجع إلى نفس تلك البلدة
ـ
والآن وقد تبين بأنهما أقارب أصر بورك على أن يستضيف السيدة دوشيرتي في منزله، وقد انطلت الحيلة على المرأة الساذجة بسهولة
ـ
هيلين زوجة بورك استقبلت السيدة دوشيرتي بحفاوة بالغة وأصرت على أن تبيت ليلتها عندهم، الزوجان المخادعان أحكما نسج فخهما المميت لكنهما اصطدما بعقبة واحدة، ففي ذلك الوقت كان بورك قد أجر إحدى غرف منزله لزوجان هما آن و جيمس غراي، وقد انخرط هؤلاء في الحديث مع السيدة دوشيرتي مما عرقل خطط بورك للاستفراد بها
ـ
لذا أخيرا وبعد أن طفح كيله، طلب بورك من الزوجان غراي مغادرة المنزل والذهاب لقضاء الليلة في مكان آخر. وما أن غادرا حتى أرسل في طلب هير وقاما سوية بالإجهاز على المرأة
ـ
حين عاد الزوجان غراي في صباح اليوم التالي ارتابا للاختفاء المفاجئ للسيدة دوشيرتي، وازدادت شكوكهما حين منعهما بورك من دخول الغرفة التي كانا يجلسان فيها ليلة البارحة حيث نست السيدة غراي جواربها
ـ
لكن الزوجان استغلا فرصة مغادرة بورك للمنزل فتسللا إلى الغرفة ليعثرا على جثة السيدة دوشيرتي مخبأة تحت السرير. الزوجان عزما على أخبار الشرطة، لكنهما اصطدما عند الباب بهيلين التي لاحظت ارتباكهما فعلمت بأنهما شاهدا الجثة وعرضت عليهما مبلغ 10 جنيهات أسبوعيا لقاء صمتهما، لكنهما رفضا العرض وأصرا على إبلاغ الشرطة
ـ
في هذه الأثناء أسرع بورك وهير في رفع الجثة والذهاب بها إلى مكتب الطبيب نوكس. وحين وصلت الشرطة عند الظهيرة كانت الجثة قد اختفت من المنزل. لكن الجيران قالوا للشرطة بأنهم سمعوا صراخ امرأة صادر عن منزل بورك الليلة الفائتة، كما لاحظ المحققون تناقضا في أقوال الزوجين، فبورك زعم بأن السيدة دوشيرتي غادرت المنزل عند الصباح بينما قالت زوجته بأنها غادرت مساء البارحة
ـ
الشرطة ارتابت في الأمر فاصطحبت الزوجين إلى المخفر، وهناك تقدم شخص مجهول الهوية بمعلومات مهمة قادت الشرطة إلى مكتب الطبيب نوكس حيث تم العثور على جثة السيدة دوشيرتي التي كانت قد شرحت جزئيا لكن جيمس غراي تمكن من التعرف عليها فقامت الشرطة بإلقاء القبض رسميا على كل من بورك وهير وزوجتاهما بتهمة قتلها
ـ
رغم العثور على جثة السيدة دوشيرتي إلا إن أدلة الشرطة ضد القاتلان لم تكن كافية لأدانتهما، لكن بما أن الجريمة الأخيرة حدثت في منزل بورك لذلك رأى المحققون بأنهم يمتلكون فرصة أكبر لإدانته، وذلك بنظرهم كان أفضل من أن يفلت كلا القاتلان بجريمته، لذلك عرضوا البراءة على هير مقابل شهادته ضد بورك، وبالطبع وافق هير على العرض في الحال
ـ
المحاكمة لم تدم طويلا، فشهادة هير المفصلة عن الجرائم أحكمت لف حبل المشنقة حول رقبة بورك، أما زوجته هيلين مكدوغال فقد برئت ساحتها لعدم كفاية الأدلة، وكذلك برئت ساحة كل من هير وزوجته، وبالنسبة للطبيب نوكس فلم يوجه له أي اتهام لأنه أنكر علمه بمصدر الجثث، لكن الكثيرون اعتبروه شريكا في الجريمة
ـ
عملية إعدام وليم بورك كانت من الأحداث التاريخية التي قلما شهدت أدنبره مثيلا لها، إذ يقال بأن حوالي الأربعين ألف إنسان اجتمعوا لمشاهدة الحدث، بعضهم سهر ليلته بالقرب من منصة الإعدام ليحظى برؤية أفضل رغم برودة الجو والمطر
ـ
وكانت الساحة التي اختيرت لتنفيذ الحكم تغص بالناس من جميع المشارب والأجناس، لم تسعهم الأرض فامتلأت بهم نوافذ وسطوح المنازل المحيطة، حتى سيدات الطبقة النبيلة اللواتي قلما يشاهدهن العامة حضرن لمشاهدة الإعدام
ـ
وفي صبيحة يوم 28 كانون الثاني / يناير عام 1828 استلت المشنقة روح وليم بورك ترافقها لعنات الجماهير الغاضبة التي طالبت بتسليمها الجثة لتمزقها أربا أربا، لكن جسد بورك أنزل من المشنقة وحمل تحت حراسة مشددة إلى جامعة أدنبره لينتهي به المطاف عند نفس طاولة التشريح التي طالما تمددت فوقها جثث ضحاياه!
ـ
ماذا حدث بعد ذلك ؟ـ
ـ
أحاطت الجماهير الغاضبة بجامعة أدنبره في مساء يوم الإعدام مطالبة بتسليمها جثة وليم بورك، ولتهدئة الحشود قامت الشرطة بعرض جثة بورك لفترة قصيرة عند بوابة الجامعة. كانت الجثة مشرحة وفي حالة يرثى لها، ولاحقا تم قطع رأس بورك ليوضع في متحف الجامعة كما يقال بأن بعض الطلبة قاموا بسلخ ودبغ أجزاء من جلد بورك ثم غلفوا بها أحد الكتب المحفوظة في مكتبة الجامعة حتى اليوم!
هيلين ماكدوغال أطلق سراحها ثم فرت من منزلها بعد أن هاجمتها الحشود الغاضبة ويقال بأنها هاجرت إلى أستراليا
ـ
وليم هير أطلق سراحه في إحدى ليالي شباط / فبراير عام 1829، الشرطة تركته عند إحدى بوابات المدينة في ساعة متأخرة من الليل وذلك خشية أن تقوم الجماهير بقتله، وتلك كانت المرة الأخيرة التي شوهد فيها الرجل، يقال بأنه فر إلى لندن وانتهى به المطاف متسولا في شوارعها. أما زوجته مارغريت فقد فرت هي الأخرى بعد أن هاجم الناس الغاضبون نزلها، ويقال بأنها قفلت عائدة إلى بلدتها في أيرلندا
ـ
الطبيب روبرت نوكس نال انتقادا لاذعا لتعامله مع القتلة، فالرجل وبرغم إصراره على عدم علمه بمصدر الجثث إلا إن سمعته وشهرته العلمية والاجتماعية تعرضت لضربة قاصمة، لذلك ترك أدنبره وانتقل إلى لندن حيث مات هناك عام 1862م
ـ
في عام 1832 أصدر برلمان المملكة المتحدة تشريع التشريح الذي ينظم عمليات حصول الجامعات والمؤسسات الطبية على الجثث البشرية لأغراض التشريح
ـ

تعليقات: 0
إرسال تعليق