-->

 


أكواب القهوة ☕️


من التقاليد الجميلة في الجامعات والمدارس الثانوية الأمريكية أن يعود إليها خريجوها بين الحين والآخر في لقاءات لمّ الشمل، والتعرف على أحوال بعضهم بعضاً؛ مَن نجح منهم وظيفياً، ومن تزوج ومن أنجبَ ...إلخ


وفي إحدى تلك الجامعات التقى بعض خريجيها في منزل أستاذهم العجوز بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدراسة، وبعد أن أحرزوا نجاحات كبيرةً في حياتهم العملية ونالوا أرفع المناصب وحققوا الاستقرار المادي والاجتماعي. 


وبعد عبارات التحية والمجاملة طفق كلٌّ منهم يتأفف من ضغوط العمل والحياة التي تسببت لهم الكثير من التوتر.


غاب الأستاذ عنهم قليلاً، ثم عاد يحمل إبريقاً كبيراً من القهوة ومعه أكوابٌ متعددة الأشكال والألوان؛ فهذه صينية فاخرة، وتلك من الميلامين، وأخرى من الزجاج العادي، وغيرها من البلاستيك أو الكرستال. كانت بعض هذه الأكواب في منتهى الجمال تصميماً ولوناً، ولذا فهي باهظة الثمن، بينما كان غيرها من النوع الذي تجده في أفقر البيوت.


قال الأستاذ لطلابه: تفضَّلوا، ليصبّ كلٌ منكم القهوة لنفسه. وعندما أصبح كل واحد منهم مُمسكاً بكوبه، تكلّم الأستاذ مجدداً: هل لاحظتم أن الأكواب الجميلة فقط هي التي وقع عليها اختياركم، وأنكم تجنّبتم الأكواب العادية؟! ومن الطبيعي أن يتطلع الواحد منكم إلى ماهو أفضل، وهذا بالضبط ما يسبّب لكم القلق والتوتُّر؛ فالذي كنتم بحاجة إليه -فعلاً- هو القهوة وليس الكُوب، ولكنكم تهافتُّم على الأكواب الجميلة و الثمينة، وبعد ذلك لاحظتُ أنّ كلَّ واحدٍ منكم كان مُراقباً للأكواب التي في أيدي الآخرين.


فاعلموا أنّ الحياة إذا كانت هي القهوة، فإنّ الوظيفة والمال والمكانة الاجتماعية هي الأكواب، وبالتالي هي مجرد أدوات ومواعين تحوي (الحياة ونوعيتها). القهوة تبقى قهوة لا تتغير. ولكننا عندما نُركّز فقط على الكوب فإننا نضيّع فُرصة الاستمتاع بالقهوة. وأنا أنصحكم بعدم الاهتمام بالأكواب والفناجين على حساب الاستمتاع بالقهوة!


ابحث عن أنسب الأكواب ولا تنظر لما يملكه غيرك ولا تجعل جمال الكوب يشغلك عن مذاق حياتك؛ فهذه في الحقيقة آفة يعاني منها الكثيرون. فهناك نوع من الناس لا يحمد الله على ما هو فيه مهما بلغ من النجاح لأنه يراقب دائماً ما عندك الآخرين، يتزوج بامرأة جميلة وذات خلق، ولكنّه يظل مُعتقدًا أنّ غيره تزوجوا بنساءٍ أجمل وأفضل! يحصل على وظيفة في شركة مرموقة، ولكنّه يعتقد أنّ صديقه قد حصل على وظيفة أحسن. فإن كنت من هؤلاء فأنت تُكرس كل اهتمامك في شكل الكوب، بينما تُهمل طعم القهوة التي بداخله، وهي حياتك. فحياتك إن كانت رائعة فستكون سعيدًا بغضّ النّظر في أي الأكواب هي!


🖋علي محمد علي


جديد قسم :

إرسال تعليق